الاثنين، 16 يونيو 2008

مضادات للخرس الوظيفي

إذا سألت أي موظف في مؤسسة أو شركة في المنطقة العربية: هل تتحاور مع مديرك؟.. حينها ستتلقى إجابات متباينة؛ فالبعض يقول: نعم، وآخرون يبادرونك بـ"لا"، بينما هناك قطاع ثالث -وهو الأغلب- يشبه الحوار بين الطرفين على أنه ساكت، كما يقول إخواننا السودانيون، حينما يصفون حوارا يهيمن فيه طرف على آخر.
ولأن الحوار الشفاف بين الموظف والمدير هو السبيل لأداء إنتاجي أفضل لأي مؤسسة؛ فإن افتقاده في البيئة العربية يمثل حجر عثرة أمام التطور الإنتاجي لهذه المؤسسات، وبالتالي فإن إيجاد صيغ أو مضادات لما يمكن أن نسميه "الخرس الوظيفي" بين الطرفين هو ما ستحاول السطور القادمة أن تفعله.
بطالة وديكتاتورية
بداية يعرف محمد عبد الجواد -الخبير الإداري في التنمية البشرية- الحوار على أنه "... حديث بين شخصين أو فريقين، يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة؛ فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر.. ويغلب عليه -أي الحوار- الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب".
ويعزي عبد الجواد السبب في حالة الخرس المنتشرة في منطقتنا العربية بين الموظف والمدير إلى استفحال أزمة البطالة التي تقوم بدورها بخلق بيئة غير ملائمة داخل المؤسسات؛ حيث يتفرد المدير برأيه ويخشى الموظف على وظيفته ومكانه.
وبالإضافة لما سبق فإن المدير العربي يتميز باعتقاده دائما أنه على صواب، وأنه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، كما يقول سامح عبد المقصود المعيد بالأكاديمية العربية لعلوم الإدارة الذي يضيف أن النظم الإدارية في منطقتنا تتسم بالديكتاتورية.
ثمار الحوار
وللحوار الإيجابي بين الموظف والمدير ثمار عديدة، يعددها لنا أيمن المصري -أحد المديرين بمؤسسة إعلامية- منها أن شعور الموظف بالحرية في إبداء رأيه يساعد على خلق مناخ للإبداع داخل المؤسسة، كما يدفع الموظف للحرص والحماسة في عمله؛ وهو ما ينعكس على أدائه، وبالتالي على الأداء الجماعي المؤسسة؛ فكم من موظف لديه ابتكارت توفر وقت المؤسسة ولا يعلن عنها بسبب افتقاده للولاء وهيمنة الإحباط عليه.
يضاف إلى ذلك أن الحوار -كما يقول الخبير الإداري عبد الجواد- أداة مهمة لتحديد جوانب المشكلات بالعمل، والمساعدة على بروز آراء جديدة تقدم إجابات لحلها، فضلا عن تكوين أهداف ورؤى واقعية للمؤسسة؛ حيث تكون مزجًا بين أفكار وآراء الإدارة العليا (الرؤية الكلية للمؤسسة)، والرؤية التنفيذية التي يملكها الموظفون (الرؤية الجزئية).
وفي هذا الصدد تلعب الإدارة الوسطى داخل المؤسسات مهمة المزج بين وجهات نظر الإدارة العليا والموظفين، وليس مجرد نقل التعليمات دون تفهيم لمبرراتها، بما يجعل هناك أخطاء إدراكية لدى الموظف، ويجعله يحجم عن المشاركة.
مضادات.. إدارية
للخروج من حالة الخرس الوظيفي في مؤسسات العربية وإيجاد حوار حقيقي بين الموظف والمدير يقترح خبراء الإدارة ومسئولون بالشركات عددًا من الأمور:
- الثقة بين الموظف والمدير: حيث يجب أن يثق الموظف بأن كلامه لا يسمع فقط من قبيل تفريغ الانفعالات، إنما ينعكس على سير العمل؛ فعدم استماع الإدارات العليا لما يقوله الموظفون التنفيذيون يخلق لدى هؤلاء الإحباط، ويفقدهم الثقة في جدوى الحوار مع رؤسائهم، كما لا بد أن يثق المدير بأن مشاركة موظفيه في الحوار لن تقلل منه، إنما تدعم عمل المؤسسة.
- دعم جهود صغار الموظفين: بعض الشركات لكي تكتسب تنافسية كبيرة، وتدفع في الوقت نفسه موظفيها للعمل بقوة، تقوم بإبراز أعمالهم في حملات إعلانية، ولعل من اللافت أن بعض شركات المحمول حينما تقوم بحملات إعلانية عن منتجها يظهر فيها صغار موظفيها. ويعتبر البعض أن هذا التقدير المعنوي للموظف هو أقوى كثيرا من مجرد فرض قوانين وتشريعات للحوار؛ فالموظف من تلقاء نفسه سيحرص على ذلك.
- الشفافية المعلوماتية: حيث إن افتقاد وضوح المعلومات لدى الموظفين عن المؤسسة يخلق تصورات ذهنية غير صحيحة لديهم، وعادة ما يمثل الموقف المالي للمؤسسات أكثر الأمور غموضا، ولغطا بين الموظفين، بسبب رفض الإدارة العليا الكشف عن أي معلومات في هذا الشأن، ومن هنا فإن إقامة حوار حقيقي داخل المؤسسة يساعد بدوره على شفافية أكبر.
ولعل إيمان الاتحاد الأوربي بأن الشفافية هي جزء أساسي من أداء المؤسسات دفعه لتطبيق ما يسمى "إجراء المعلوماتية والتشاور" الذي يعطي الموظف حق معرفة المعلومات داخل المؤسسة التي يعمل بها، فضلا عن حق 10% من موظفي أي مؤسسة في طلب الحوار مع الإدارة العليا، وما لم تلتزم المؤسسة بذلك تفرض عليها غرامة قد تصل إلى 75000 جنيه إسترليني.
إن إقصاء الموظف من المشاركة الفعالة في عالمنا العربي يحتاج إلى مواجهة حقيقية؛ حتى لا تسود حالة من "النفاق المؤسسي" الذي تتآكل بسببه نظمنا الإدارية، وتصبح عاجزة عن الابتكار؛ فمتى نواجه الخرس الوظيفي، ونهدم الطواغيت الإدارية التي ترسخت في مجتمعاتنا العربية؟!.

ليست هناك تعليقات: